قراءة في التصعيد العسكري على إدلب


كلما كثر الحديث عن تقارب تركي أميركي حول شرق الفرات، يمهّد لولادة المنطقة الآمنة، صعَّدت موسكو بالتنسيق مع حلفائها على منطقة إدلب؛ من أجل إحراج تركيا أمام الحواضن الشعبية فيها.

بات واضحًا أن هذا التصعيد الذي تشهده إدلب منذ بداية شهر أيار/ مايو الجاري، هو انعكاس لحالة الفشل التي سادت أجواء مؤتمر أستانا بنسخته الثانية عشرة، وهو صدى للتوازنات الإقليمية والدولية الجديدة في الملف السوري بعد فشل هذا المؤتمر، والتراجع عن تنفيذ اتفاق سوتشي بين الضامنين الرئيسين: تركيا ـ روسيا، لاسيّما بندي تسيير الدوريات المشتركة بينهما في المنطقة المنزوعة السلاح، وتسوية ملف هيئة تحرير الشام، والجماعات الأخرى، المصنّفة على لوائح الإرهاب.

يشير المراقبون أنّ الجانب الروسي، قد ألحّ على الضامن التركي في هذين البندين، بشكل غير طبيعيّ، وأبدى الجانب التركي ليونة في الأول، ولم يبدِ حماسة للثاني؛ خشية انزلاقات غير مضمونة النتائج، سواءً مع تلك الجماعات، ورغبة في بقائها في هذه المرحلة، تحسبًا لمزيد من الضغط على الجانب الإيراني، الذي يحتفظ بجماعات أصولية أخرى في سورية.

ناهيك عن أنّ هناك أطرافًا في هذه الجماعات لا تصغي إلى تركيا، بالقدر الذي تصغي فيه إلى دول إقليمية أخرى متدخلة في الملف السوريّ.

يضاف إلى ذلك مستجد آخر في الملف السوري، يتعلّق بظهور زعيم داعش، أبو بكر البغدادي، في تسجيل مصوّر، وبيده كتيب وُسِم بـ " ولاية تركيا ".

وهو الأمر الذي يُنذر بموجة عنف تنتظرها المنطقة، قد تطال تداعياتها تركيا.

ثَمَّة أمر آخر ربما يكون قد أشعل فتيل هذا التصعيد على إدلب، يتمثَّل في دخول أميركا على الحدث السوري بشكل أكثر جدية، حيث أعلنت عن انتهاء مسار أستانا وضرورة عودة الأطراف إلى مسار جنيف، تمهيدًا للولوج إلى العملية السياسية الانتقالية، وقد عبرت عن ذلك بإرسال موفدها الخاص (جيمس جيفري) إلى العاصمة التركية بهدف قلب الطاولة الروسية الإيرانية مجددًا، ولاسيما بعد بدء مرحلة الحصار على إيران.

فشل موسكو والنظام في الحصول على تعهدات تركية إضافية، وتسريع العملية العسكرية التركية في إدلب ضد تلك الجماعات، هو الذي حرك الجبهات الميدانية في إدلب، وما أغضب موسكو أكثر هو أن واشنطن التي لم تكن موجودة على طاولة أستانا، نجحت في عرقلة التفاهمات هناك، وأعطت تركيا المزيد من الدعم للصمود في وجه الضغط الروسي الإيراني.

وقامت على الرغم من كونها شريكة في تفاهمات سوتشي، بالتصعيد العسكري واللجوء إلى استخدام سلاحها الجوي بمشاركة نظيره لدى النظام، في غارات استهدفت المدنيين وأدت إلى موجات نزوح جديدة في المنطقة، غير عابئة بتمنيات أوروبا بترك التصعيد في إدلب؛ خشية وصول طلائع النازحين إلى بلدانها.

ويبقى السؤال منصبًا حول مدى قدرة تركيا على إحداث اختراق، تستطيع من خلاله إيقاف إطلاق النار، والعودة مجددًا إلى التهدئة التي بشّرت بها قاطني منطقة إدلب، والإمساك بالعصا من الوسط، بحيث لا تفرّط بالثقة فيما تقوله واشنطن التي سبق وتخلت عنها أكثر من مرة في الملف السوري، في ذات الوقت الذي لا تغضب فيه موسكو أكثر من ذلك في ملف إدلب بشكل خاص.

 

د. محمد عادل شوك

 أكاديمي وباحث سوري

 
Whatsapp