كانت إدلب إحدى مناطق خفض التصعيد التي تم الاتفاق عليها بين أطراف أستانا، حيث أصبحت مأوى لكل من خرجوا من المناطق الأخرى والذين رفضوا البقاء في ظل النظام من درعا إلى الغوطة وحلب إضافة إلى حمص، أي أن إدلب لم تعد تلك المنطقة التي تقبل التعامل معها كأية منطقة أخرى، كونها أصبحت مأوى لمئات الآلاف إن لم نقل الملايين من اللاجئين الذي هربوا من الموت ولم يقبلوا العيش في ظل حكومة النظام، وبالتالي، كان يجب التعامل معها كما التعامل مع مخيمات اللاجئين، حتى وإن وقعت تحت سيطرة (قوى إرهابية) كما يدّعي النظام، فليس من منطلق الحس بالمسؤولية تجاه شعبه، بل السعي إلى السيطرة على المنطقة، ولو كلف ذلك مئات آلاف من القتلى وتدمير المنطقة مع تهجير الملايين.
في ذلك لا يوجد فرق بين ما تقوم به (المجموعات الإرهابية) وما يسعى إليه النظام عند توجيه قواته باتجاه إدلب، وقصف المناطق المختلفة بكل أنواع الأسلحة حتى المحرمة دولياً وتحت صمت دولي مريب؟ إن ما يحصل في هذه المنطقة هو نتيجة توافقات بين الدول على مستقبل سوريا ولو بشكله الأولي، أو مقدمة لوضع خارطة مرحلة ما قبل التوافقات التي ما تزال في مخاضها العسير، نتيجة صراع المصالح وتضارباتها في الكثير من المواقع على مستوى المنطقة، وكذلك تلك التي تبرز على مستوى العالم ومسحوبة على منطقتنا بشكل أو بآخر، مما يساهم في تعقيد المشهد، ويؤجل الحلول السلمية التي يسعى إليها مجلس الأمن، ونتيجة ذلك تتوسع الفسحة الزمنية أمام النظام للدفع بقواته تجاه إدلب وحماه، وكذلك مناطق في جنوب غرب حلب، سعياً للسيطرة على تلك المناطق، قبل فرض أية حلول عليه من قبل المجتمع الدولي. لكن الأهم من كل ذلك هو المكانة في الصراع الإقليمي على سوريا، وفعالياته في إدارة الأزمة في إطار صراع المصالح الدولية، وعدم وصول قطبي الصراع في حقيقة الأمر (روسيا وأمريكا) إلى توافقات فيما بينهما ليس على مستقبل سوريا فقط، بل إنما على مستقبل المنطقة برمتها، وبالتالي فإن إدلب والمناطق المذكورة تبقى ورقة مهمة في هذه الصراعات بعد أن تم اختيارها بدراسة وتمعُّن في لقاءات أستانا، كمنطقة نفوذ للمعارضة برعاية تركية، وهي إحدى مناطق خفض التصعيد كما ذكرت، لكنها تشكل أهم من ذلك بالنسبة للأطراف الدولية وخاصة تركيا، إذ من المعلوم أن الدول النافذة والمؤثرة في المشهد السوري عسكرياً و سياسياً وبشكل مباشر هم ( روسيا وأمريكا، إضافة إلى تركيا وإيران ) باعتبارهم يتواجدون عسكرياً على الأرض، وهذه الأرض أصبحت اليوم أرضية صلبة تستند إليها هذه الدول في اللعبة السياسية وتصارع بعضها البعض، حيث أن النظام في دمشق وكذلك جميع المعارضة خارجة عن حلبة الصراع إلاّ اللهم إذا كلفت من قبل تلك الدول للقيام بتحرك ما ( عسكرياً أو سياسياً ) ، وهذا ما يفيد من أن مناطق النفوذ لتلك الدول هي مصانة كلٌ حسب تواجده ونفوذه والرعاية التي تقدم لمناصريه ومؤيديه على الأرض عسكرياً، وكذلك تلك المعارضات التي تتحرك سياسياً ودبلوماسياً، وبالتالي فإن مناطق إدلب التي يجب أن تكون تحت الرعاية والنفوذ التركي لا يمكن أن تتخلىّ تركيا عنها، سوف تدعمها، إلاّ إذا كان في حساباتها الانسحاب من الملف السوري وهذا غير ممكن على الإطلاق لاعتبارات كثيرة في زواياها الجيوسياسية والجغرافية والاقتصادية. والأهم من كل ذلك الأمنية! وطالما أن تركيا لا يمكنها التخلي عن مناطق نفوذها، يسأل المتابع وهذا من حقه، لماذا كل هذه الهجمات على مناطق نفوذ تركيا من قبل جيش وميليشيات النظام وبدعم روسي، وتركيا صامتة ولا تتحرك؟ وأنا أقول أن الدولة التركية لن تتخلى عن الشعب السوري، كما عهدها السوريون في فترات سبقت، لكن النظام السوري والإيرانيين بشكل خاص، ومعهما الروس، يحاولون اللعب بالزمن لكسب المزيد من الأرض لفرض أمر واقع وشروط للحل السياسي ضمن معترك الصراعات في المنطقة. إلا أنه ومع كل هذه الرهانات فإن ما يحصل في إدلب والمناطق الأخرى جرائم حرب ضد الأبرياء يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية كل ما يجري!
أحمد قاسم
رئيس القسم الكردي