الحرية في سوريا الأغلى ثمناً في تاريخ ثورات الشعوب


تحت ستار التحرك العسكري الأمريكي في الخليج وسواه، وعلى وقع التصعيد في المنطقة يقوم صهر (ترامب) "كوشنير" عراب ما يسمى صفقة القرن، بجولة شرق أوسطية لوضع اللمسات الأخيرة قبل قمة المنامة في البحرين المزمع عقدها بطلب من (ترامب) لهذا الشأن، وتبدو قمم مكة الاسلامية العربية الخليجية وكذلك قمة القدس بين "جون بولتون"، و"نيكولاي بتيرشوف" و"مائير بن شابات"، تبدو كلها مقدمة لهذه الصفقة قبل أن تكون موجهة ضد إيران.
والأكيد أن القمم العربية والإسلامية لم تعد تصنع الحدث، وانعقادها مثل غيابها لم يعد يعني شيئاً، ولا يغيّر أي شيء من واقع الحال، وقد تحوّل أغلبها إلى منصّات خطابة مُملة، أهم ما فيها الطرائف والقفشات التي تتصيّدها كاميرات المصورين لرؤساء يغطون في نوم عميق، وآخرين يتهجوّن خطاباتٍ لم يكتبوها، وأحياناً لا يفقهوها، إذ أنه منذ سيطرت السعودية على مؤسسة القمة العربية، تحولت اجتماعاتها إلى جلسات تسجيل للمصادقة على قرارات جاهزة مملات من فوق، وليس لها أدنى صلة بمصالح وطموحات العرب وتقدمهم. 
إن قمم مكة ستكون بلا معنى وبلا هدف، إذا التأمت فقط لتزكية السياسات نفسها التي أدّت إلى تمزيق المنطقة وتدمير دولها وتشريد شعوبها، وقطع طريق الحرية لشعوبها أيضاً.

كل ذلك في الوقت الذي تُدمّر فيه إدلب وتُحرق على مرأى ومسمع من الجميع؛ والسؤال: هل سمعت الزعامات العربية التي تتحضر لمؤتمرات مكة المكرمة ومؤتمر المنامة بما يجري في إدلب من جرائم وإبادة ويُحضر لشعوبنا مترافقاً مع قممهم؟ يأتي ذلك مع دغدغة الممثل الأميركي الخاص لشؤون سوريا "جيم جيفري" كاذباً حول حلٍ متوقع، بينهم و بين روسيا الفاشية البوتينية، للقضية السورية حسب قوله.
إذاً؛ كل ذلك على وقع وصوت القصف والمجازر والدمار الذي يقوموا به جميعاً مع ذيلهم الأسدي في الشمال السوري المحرر وخاصةً في إدلب ليغطوا على فشلهم بكسر إرادة شعبنا السوري الثائر وفشلهم في تحقيق تقدم وانجاز عسكري بشمال حماة وجنوب إدلب سوى قتل المدنيين والأبرياء من أبناء شعبنا وتدمير ممتلكاتهم تمهيداً لتشيّع وتشييع بلادنا وتقسّمها وتقسيمها طائفيا وعرقياً، ليتمّ تأمين حدود الصهاينة، وتغيير التركيبة الديمغرافية بتجنيس أتباع إيران، بعد إزاحة ملايين العرب من أحرار كل المكونات الوطنية السورية، سيتم إخراج إيران من سورية (عسكرياً) بعد أن حققت المهمة الموكلة إليها لتحل مكانها جيوش عربية وظيفية تحافظ على ما أنجزته (الصفيونية) !
وكما يشن نظام الشبيحة الأسدي وداعميه، خاصة الروس المجرمين والإيرانيين الطائفيين وبكل ما يستطيعوا من حقد ولؤم الهجمات على المناطق المحررة، يقوم ربيبهم تلميذ القاعدة "الجولاني" باستكمال ما عجزوا عنه من تنكيل ونهب وتقديم المعلومات المجانية لهم لاستخدامها حين الحاجة، كما جرى لصور اجتماعاته الأخيرة مع خرفانه على وقع الدمار والقصف، وهو لازال يبقي المعتقلين في سجن العقاب والبالغ (٧٠٠٠) حر شريف معتقل، ولا يُطلق سراحهم، وهم قادرين على أن يحرروا سوريا، وحين يستمر "الجولاني" بالسيطرة على معظم إدلب فهو يقدم المُسوغ لتدمير كل إدلب.
الآن؛ وبعد مائة عام من التنظير، نكتشف أننا كنا ضحية متاجرة كبيرة وتكاذب (بعث أسدي) أكبر حول اللغة والتاريخ المشترك والجغرافيا باعتبارها القواسم المشتركة التي توحد العرب، بل هناك ما هو أهم وهو الوجع العربي الواحد والأحزان العربية الواحدة، فلا يوجد مواطن عربي من المحيط الى الخليج لا يعاني من القمع والظلم والجوع والذل، وأخيراً الموت قبل الأوان، بسبب فساد الطغم والأنظمة وغياب الحريات، ليصبح خيار المواطن العربي، للأسف، هو البحث عن أرض توفر له الكرامة ولقمة الخبز والحرية !!
إن الهمجية والضغط الروسي على الشمال المحرر يقع ضمن استراتيجية أكبر موجهة ليس فقط ضد شعبنا السوري بل موجهة ضد تركيا أيضاً، باعتبارها النصير الأهم والأكبر لأهداف شعبنا، ففي حال استمرار الغموض والقصف والدمار الهمجي في إدلب لإخراج الأحرار منها، فسيكون من الصعب إن لم يكن من شبه المستحيل تأمين "عفرين" والجيوب الأخرى المتواجدة على طول الحدود.
ومهما كانت نتائج ديبلوماسية العضلات الدولية حول سوريتنا، فليس أمام شعبنا السوري سوى الاستمرار بثورته وتحقيق الحرية وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.

 

عبد الباسط حمودة

 كاتب وباحث سوري

 

 

 
Whatsapp