ديمقراطية الإبادة الأميركية


 

لعل هذا ما فعلته ديمقراطية الإبادة الأميركية وعرّابيها في الغرب الخبيث بالعراق، ثم طبّقوا ذات المشروع القذر في سورية ولبنان واليمن، ويبدو أن السلسلة ستستمر لتنال من مصر والخليج.

يستخدم (مايكل أوترمان وريتشارد هيل وبول ويلسون) في كتابهم الشهير (محو العراق: خطة متكاملة لاقتلاع عراق وزرع آخر) مصطلح (إبادة المجتمع) الذي استخدمه لأول مرة (كيت داوت) في كتابه (فهم الشر: دروس من البوسنة) والذي ينطبق على عراق ما بعد عام 2003 وهي الأسس التي حددها (كيت داوت) لتحطيم الدولة مستعيناً بتجربة يوغسلافيا سابقاً التي تحولت إلى ست دول لاحقاً.

إنه السيناريو الذي تم وضعه في مراكز الأبحاث الغربية بعد دراسة طبيعة المجتمعات التي يراد تمزيقها وتفتيت الدولة التي تعيش فيها مجموعات بشرية مختلفة منذ قرون من خلال تفجير الكراهية.

لا يتم تدمير البيوت فحسب بل هيبة المنزل، لا يتم قتل النساء والأطفال فحسب بل المدينة ايضاً بطقوسها ومناهج حياتها، لا تتم مهاجمة مجموعة من الناس فحسب، بل تاريخها وذاكرتها الجماعية، لا يتم هدم النظام الاجتماعي فحسب، بل أيضاً المجتمع نفسه، ويسمى العنف في الحالة الأولى إبادة المنزل، وفي الثانية إبادة المدينة، وفي الثالثة الإبادة الجماعية.

من الضروري إدخال تعبير جديد محدث على الحالة الرابعة وهو إبادة المجتمع في عراق ما بعد 2003: - كذلك في أي دولة مستهدفة لاحقاً ، حيث تم هدم كل قيم التضامن وعلاقات الجوار والأحياء السكنية والمذاهب وبناء نظام الحواجز المادية والنفسية والدينية وسيطرة الارتيابية والخوف من الآخر، والأخطر انقلاب المقاييس بحيث يصبح الشاطر ذكياً، والنبيل العفيف غبياً لأنه لا يشارك في الوليمة العامة والنهب، ويصبح اللص سوياً، والشريف منحرفاً، وغيرها من التناقضات التي تقلب منظومة القيم الأخلاقية والسياسية السوية لصالح نقيضها.

كيف يحدث هذا؟ يقول كيت داوت:(من خلال خطة منسقة لأعمال مختلفة تهدف إلى تدمير الأسس الأساسية للمجتمع ونتائجها وحشية، تتضمن تدمير: التضامن، الهوية، العائلة، المؤسسات الاجتماعية، وعي الذات، لكي يصبح الإرتياب وسوء النية التوجهين السائدين لدى الناس).

يعلق مؤلفو الكتاب الثلاثة (مايكل أوترمان وريتشارد هيل وبول ويلسون) على فقرات كتاب (كيت داوت) هذه بالقول: التدمير المقصود للعراق وشعبه الذي قامت به الولايات المتحدة الأميركية وحليفاتها إبان حرب الخليج وحقبة العقوبات الدولية وحرب الخليج الثانية وخاصة في ضوء غزو العراق في نيسان 2003 الذي حدث دون تفويض أممي، شكل محاولة إبادة اجتماعية ليس للشعب إنما للدولة العراقية رغم التاريخ الطويل لهذه الدولة وتعايش مكوناتها الأثنية.

كيف تحقق ذلك خلال 14 عاماً من الحروب والدمار والارهاب والنهب وتغيير القيم والمفاهيم والمعتقدات وحتى كثير من سلوك الأفراد التي جعلت نزعات الانفصال لأسباب إثنية لا تثير أي رد فعل غاضب من الحكومة والشعب، ومصرع العشرات سواء بفعل الارهاب أو الحرب ضد القاعدة وداعش أمرًا طبيعيًا وكذلك الرشوة والسرقة والاستيلاء غير الشرعي على أملاك الدولة وتدخل الدول الأجنبية السافر بشؤون العراق واقتطاع أراضيه ومياهه وتشريد الملايين من مناطق النزاع وتهجير أكثر من مليون عراقي خارج الحدود كيف تحقق هذا في ظل الديمقراطية الأميركية في العراق ؟؟

يجيب الكتاب الثلاثة موضحين عملية تمزيق الكيان العراقي:

إن مشاعر الاغتراب واليأس والكأبة والقلق والمشاعر السلبية هي ظاهرة سائدة بين الناس الذين تنقلب أسس حياتهم بصورة عاصفة، ويشعر الناس الذين يعرفون بعضهم قبل سنوات أنهم في الحقيقة غرباء عن بعض، ليس لأن هؤلاء خدعوا بعضهم كما يلوح في السطح، بل لأن نظرة الجميع للحياة تغيرت تمامًا، والأسس الاجتماعية والثقافية والصحية والأخلاقية، وروابط اللغة والتاريخ والقرابة والصداقة قد حرثت، بل قلبت تمامًا، ولم يعد للناس ما يحكمون به على بعضهم بل على أنفسهم إلا بالحقد والخوف والنقص والكراهية، وهي أعراض تدمير البنية العضوية للمجتمع وروابطه وزعزعة الأساس الداخلي للإنسان، وتحويله إلى جيفة متنقلة، أو إلى مخلوق ساخط يعوي على قمر بعيد، ويتعرى سلوكاً ولغةً في الساحات والمنابر العامة، بوهم أنه تحرر من كل القيود السابقة .

سوف تُنهك قواكم وأنتم تتصارعون فيما بينكم ويتهم كل مكون الآخر بالعمالة لتلك الجهة أو غيرها وتستنزف ثروات الوطن ودم الآلاف من أبنائه في حروب داخلية تمهد في مجملها لتمزيق الدولة والشعب، وهذا هو جوهر مشروع الشرق الأوسط الجديد.

ترى هل نعي ما حلّ عبر تفجير ألغام الطوائف النائمة بنعومة أفعى تحت أقدام الأوطان؟ وهل بقي لدينا فرصة لمواجهة الأسوأ القادم من خراب ودمار وما يقترب من ذلك أو يبتعد عنه.

 

 

محمد صالح عويد

شاعر وكاتب سوري

 
 
Whatsapp