لقاء مع طه الطه ورحلته في التوثيق


طه الطه من مواليد الرقة 1947، اهتم بالدراسة "البيبلوغرافية" وله في هذا المجال أكثر من أربع وسبعون دراسة مخطوطة رصد من خلالها الشخصيات الإبداعية على مستوى الوطن العربي، كتب معجماً للمبدعين العرب في الوطن العربي، وجمع أعمالا فنية إبداعية لـ 156 فناناً عربياً وعالمياً، وأسس متحفاً يحمل اسمه يهتم بالتراث منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى عصرنا الحاضر.

هل يمكن أن تقدموا تعريفاً بأنفسكم؟

طه الطه، ولدت في الرقة، متزوج ولي أربعة أطفال، أنا مؤرخ للفلكلور، وفي ذات الوقت أنا باحث في الثقافة التاريخية والفلكلور الشعبي، ونظراً للإمكانيات المحدودة فقد حولت بيتي المتواضع في الرقة إلى متحف، من خلال النشاطات السنوية التي أقوم بها بشكل منتظم في المتحف فإننا نقوم بعرض تعريفي فني نخصصه لأحد الفنانين كل عام، بمعنى آخر كنا ننظم النشاط باسم ذلك الفنان. كنا نستقبل هؤلاء الفنانين من مختلف دول العالم ليشاركونا في فعالياتنا، عادة ما يتم تنظيم هذه الأنشطة في شكل مسابقات للشعر والصور والرسم، وبفضل هذه الأنشطة أصبح طه الطه اسمًا معروفًا في أوروبا والعالم العربي.

ما هي فوائد هذه الأنشطة لسوريا؟

يمكن القول بأنّ الفنانين في أوروبا والعالم العربي باتوا على دراية ومعرفة بالثقافة والأنشطة الفنية في سوريا، وقد لعبنا دورًا مهمًا في عرض عالم الفن الأوروبي في الرقة ولو بشكل جزئي، وأصبح المتحف الذي أسسته في سوريا (في الرقة) بوابة ثقافية مفتوحة لأوروبا والعالم العربي.

متى جئت إلى تركيا؟

قبل عامين اضطررت للمجيء لتركيا، لا يمكن لقلم أن يدون المأساة الجارية في سوريا ولا يمكن لكلمات أن تصف ما حدث، الغارات الجوية للطائرات الحربية في الرقة كانت تسقط حممها على رؤوس الناس دون تفريق بين طفل ومسن، أنثى، ذكر، فنان، مزارع معارض للأسد أو مؤيد له، لقد كانت هذه القنابل غير الموجهة آلة للموت وحصد الأرواح بلا هوادة، بالنسبة لي لقد اضطررت إلى ترك متحفي وبيتي الذين أحبهما أكثر من روحي، والهجرة في ظل ظروف حياتية كهذه.

ما هدفك من القيام بهكذا نشاط ثقافي في أورفا؟

هناك صورة نمطية سائدة لدى الجميع عن السوريين، من قبيل "السوريون بحاجة إلى المساعدة، السوري هو طفل يبيع الورق في الشارع، أو متسول في المسجد، قدموا الخبز أو طردًا من الطعام لهم"..إلخ.

أنا لا أقول إنه لا يوجد سوريون كذلك، فالبعض هم كذلك، لكن في الوقت ذاته هناك أشخاص مهتمون بالثقافة ويقومون بنشاطات ثقافية في ظل هذه الظروف.

ثانياً، العمل الذي كنت أقوم به في الرقة هو نتاج نور العين لجهد استمر لخمسين عاما كامة، العمل الذي أقوم به هنا يخفف بعض آلامي، ويقلل من معاناتي. انظروا إن هذه الأعمال والمنتجات بالغة الأهمية بالنسبة لي أكثر من أي شيء، وصدقوا أنني أستطيع أن أبقى جائعًا، لكن لا يمكنني البقاء بدون الفن.

هل يمكنك أن تحدثنا عن الأعمال التي تقومون بها في أورفا؟

أجمع نسخ من الصحف والمجلات والكتب الصادرة باللغة العربية في أورفا وأعمل على أرشفتها، كما أقوم بتدوين السير الذاتية للفنانين المحليين الذين أتمكن من الوصول إليهم من الذين ينظمون نشاطات فنية، أحاول الوصول إلى المنتجات الفنية للفنانين السوريين والمواطنين في أورفا مثل الرسومات والصور وغيرها، ومن ثم أقوم بعرضها في متحفي.

ومن أجل تعريف السوريين على مدينة أورفا، قمت أنا ومجموعة من المصورين السوريين بالتقاط صورٍ للمساجد التاريخية في أورفا والشوارع القديمة والفنادق الصغيرة والكنائس والحمامات وسوق أورفة المسقوف وغيرها.

   هل هناك من يأتي لمشاهدة مشروعكم والأعمال التي تقومون بها؟

لقد بدأت بهذا المشروع من لا شيء، وأنا بهذا النشاط أقوم بإحياء الروابط الثقافية وتعزيزها، كل رسام يقوم برسم صورة جميلة يريد أن يرى الناس رسمته، وأنا أيضاً أود من جميع الذين تعرفت عليهم في أورفا أن يروا مشروعي هذا وأعمالي، وآمل أن تكونوا وسيلة لجلب اهتمام عشاق الفن والسلطات التركية المعنية من خلال هذه المقابلة، إن جاز التعبير فأنا حاولت تحويل مواد خردة وقمامة إلى فن، وأنا أريد أن تحقق هذه الجهود المضنية هدفها.

كيف بدأ هذا الشغف والفضول للفن لديك؟

كنت أعمل في مجال حماة البيئة ومحباً لها، وكانت النباتات والمباني التاريخية تجذب اهتمامي دائما، وكذلك الأثاث والطبيعة والبيئة، حين كنت في عمر الطفولة وجدت عملة معدنية قديمة، كما عثرت على أشياء مثل الأطباق والأكواب ذات القيمة التاريخية وكنت أحضرها للبيت، كان أبي وأمي يغضبون لذلك دائماً، مع الوقت تحول ذلك إلى هواية كبيرة عندي، وقد عكفت على تطوير هذه الموهبة على الدوام.

هل هناك تشابه بين الرقة وأورفا؟

انظروا، هذه المنطقة عبارة عن مناطق شقيقة واحدة، الرقة هي المدينة التي ولدت ونشأت فيها، أورفا كذلك مدينة أعرفها عن كثب، هناك تشابه كبير بين أورفة والرقة في أشياء مثل المباني التاريخية والنباتات.

أورفا والرقة تماما مثل الأختين التوأمين، دعوني أعطي لكم مثالا يؤكد هذا التشابه بين المدينتين؛ في عام 1736 كان رضوان باشا والياً على كل من الرقة وأورفا، إنها معلومات ملموسة توضح أنهما شقيقتان في التاريخ، أنا أعمل دراسة حول أوجه التشابه والاختلاف الثقافي بين هاتين المدينتين. 

من هو المعلم والداعم لكم في هذا الطريق؟

لا يوجد فنان يمكن له ألا يتأثر بالأرض التي يقيم فيها ويتنفس من هوائها، عدم التأثر بالبيئة والمباني التاريخية، والنباتات في مدينة الرقة أمر غير ممكن، هذا أمر فطري وطبيعي، فالإنسان هو ابن المجتمع الذي يعيش فيه، لذلك فكل فنان بالمجتمع الذي يعيش ويحمل خصائصه، كل واحد من هذه العناصر هو مدرس ومعلم بالنسبة لي.

أنا لا أنسى أبدا كلام أمي لي حين كانت تقول: "يا بني هل أنت غبي، لماذا تجمع هذه الوثائق عديمة القيمة؟"، هذه الكلمات دفعتني لكتابة كتاب عام 1980 وقد انتشر في ذات العام، كان الكتاب عبارة عن سيرة لعبد السلام العجيلي، وأصبح هذا الكتاب كتابًا مشهورًا في العالم العربي.

لقد ذكرت البيئة والطبيعة. ماذا يخطر ببالك حين تذكر الرقة والطبيعة؟

يخطر ببالي نهر الفرات، فنهر الفرات هو النهر الذي يجعل من الرقة رقة، كنا نقيم مخيمات ومعسكرات ثقافية سنوية مع علماء البيئة الثقافية على طول نهر الفرات، هناك على ضفاف النهر الذي بات رمزاً للرقة كُتبت القصائد ورسمت الرسومات والصور، لو لم تكن هناك طبيعة جميلة لكانت المدينة عدماً.

 نعم، لقد عشتم حياة مليئة بالفن، لكن هل تهدفون إلى الاستمرار بهذا المجال رغم ظروف الحياة الصعبة هذه؟

لدي 50 عامًا من الخبرة المتراكمة في هذا المجال، لقد بنيت متحفاً في عام 1975، وكان للمتحف مؤلفات وأثار تعد مصادر مهمة بلهجات مختلفة.

متحف خاص بك ما هي الغاية من إيجاده؟

عندما تأسس متحف حكومي في الرقة عام 1981، تبرعت بهذه المؤلفات والآثار لمتحف الدولة، كنت وقتها أحتفظ بأرشيفات 25 عاماً لبعض الصحف، وكان لدي في قسم الفن والأدب سير ذاتية لأكثر من 1000 شخص، وكان لدينا الكثير الكثير من الأعمال في العديد من المجالات.

هل تشعر أنك أجنبي في تركيا؟

بادئ ذي بدء وكما قلت في بداية المقابلة الرقة وأورفا مدينتان متشابهتان لدرجة يمكنني القول فيها أنه لا فرق بينهما.

والنقطة التي أود أن ألفت الانتباه لها في هذا السياق أن هناك نوع من الوحدة الثقافية الفلوكلورية التقليدية بيننا، لذلك يجب أن تكون الفنون والأعمال الأدبية للفنانين السوريين والأتراك جسراً ثقافياً بين البلدين.

هذه النشاطات التي تقومون بها هي نشاطات يفترض أن تنظمها مؤسسات الدولة، أليس هذا أمراً صعباً بالنسبة لكم؟

أجل أنا وأشخاص أمثالي نحاول بشكل فردي أن نقوم بهذه النشاطات الثقافية التي يفترض أن تنظمها مؤسسات الدولة، فلعل بعض الأشخاص يهتمون بهذه النشاطات وتجلب انتباههم فيقومون بتقديم دعم لنا مهما بلغ حجمه ومقداره، إمكانياتنا قليلة وقوتنا محدودة، ولذا نأمل أن تقوم بعض المؤسسات بدعم منظمي مثل هذه الفعاليات الثقافية، على وجه الخصوص، سيكون دعم بلدية أورفا الكبيرة والبلديات المركزية دعماً ضرورياً ومهماً جداً لنا، إضافة إلى المساعدة والإسهامات من مديرية الثقافة والسياحة في أورفا.

أخيرًا، هل تشتاق لسوريا؟

مياه نهر الفرات تتدفق في عروقي، وهل ينسى العاشق معشوقه؟ لم أنس ولو للحظة واحدة الرقة وسوريا، فهما ماثلتان أمام عيني على الدوام، نحن نبكي الدماء بدلا من الدموع، نحن لا قيمة لنا ولا احترام إلا بوطننا.

هل هناك شيء آخر تريد إضافته؟

أود من خلالكم أن أناشد جميع القراء وكل الرأي العام من أجل كسر الصورة النمطية السلبية والأحكام المسبقة عن السوريين، نأمل أن تقوم الصحف والوسائل الإعلامية الأخرى بنشاطات مثل هذه المقابلات للمساعدة في ذلك.

لا بد من تغيير هذه الصورة والأحكام المسبقة؛ إذا كنتم تعتقدون أن السوريين يحتاجون فقط لتناول الطعام والشراب، فأنتم مخطئون.

  فالسوريون لديهم أعمال فنية مثل الشعر والرسم والأدب، نحن في انتظار أن يقدم المسؤولون والسلطات التركية الدعم اللاجئين السوريين الذين يقومون بمثل هذه الأنشطة الفنية، كما أعبر من خلال هذه المقابلة عن حبي واحترامي لأهل أورفا الذين فتحوا أبوابهم وقلوبهم لنا.

 

 

علي أكبابا

صحفي وكاتب تركي

 

 
 
Whatsapp