لا يشك أحد بالدور الأمريكي في إدارة الصراع على المستويين الإقليمي والدولي في سوريا منذ اندلاع ثورتها (ثورة الحرية والكرامة)، ولكن هناك رأي يقول بأن أمريكا (الأوبامية) سحبت يدها من المسألة في سوريا وتركت لروسيا دور القيادة والإدارة، خصوصاً بعد عقد الاتفاق بينها وبين روسيا على صفقة تسليم ترسانة السلاح الكيماوي السوري على خلفية استعمال قوات النظام لهذا السلاح ضد المعارضين والمدنيين الآمنين.
منذ بداية الثورة السورية كان لأمريكا دور المايسترو في توزيع الأدوار إقليمياً ودولياً ولو بشكل غير مباشر، عندما تأكدت أن إيران سوف لن تتخلى عن النظام في دمشق، وأنها تعتبر الدفاع عن " النظام" بمثابة الدفاع عن طهران، وأن سقوط دمشق بيد المعارضة يعني وصول التهديد بشكل مباشر إلى أبواب طهران، وبالتالي فإن أي عمل عسكري ضد النظام بشكل مباشر سيؤدي إلى المواجهة المباشرة بين طهران وواشنطن، مما يؤدي إلى امتداد رقعة الحرب في المنطقة وقد تخرج عن السيطرة وتكون النتائج كارثية على الجميع وخصوصاً أن روسيا دخلت على خط الصراع لصالح النظام في دمشق على المستويين الدبلوماسي في داخل مجلس الأمن ومحاصرته من خلال استعمالها ( الفيتو ) لصالح النظام والدعم العسكري المباشر لقوات النظام في ساحات القتال ضد المعارضة المسلحة والجيش الحر.
ولأن إيران تمتلك أذرعاً إرهابية في المنطقة " كحزب الله اللبناني والعديد من المجموعات الطائفية المسلحة في العراق ومن الحوثيون في اليمن، إضافة إلى خلايا إرهابية في الشمال الإفريقي العربي " تستطيع تحريكها ضد المصالح الأمريكية وإيصال الأذى بشكل مباشر لتلك المصالح مما قد يضطر أمريكا إلى الدخول في حرب شاملة أو الانسحاب من العديد من مناطق نفوذها في الشرق الأوسط، وهذا ما تسعى إليه إيران في حقيقة الأمر، لذلك اختارت أمريكا لعبة المايسترو وتوزيع الأدوار لأطراف تختلف عن بعضها من جهة المصالح والإيديولوجيات، قد تتوافق في بعض الأبعاد من مساحة الصراع إلا أنها ستتصادم مع بعضها في بعض المحطات التي لا بد أن تمر عليها مسيرة الصراع، وهناك سيكون الدور الأمريكي الحاسم في معركة المصالح.
تقسيم الأرض السورية إلى مناطق النفوذ من خلال شرعنة الحرب على الإرهاب مع تعاظم دور (دولة العراق والشام الإسلامية) التي صُنفت ضمن المنظمات الإرهابية عالمياً وشكلت تحالفاً دولياً لمحاربتها في العراق وسوريا، أعطى لأمريكا فرصة السماح لها للدخول عسكريا إلى سوريا، واستغلال سيطرة "داعش" على" كوباني/عين العرب" في أواسط الشهر التاسع لعام 2014 لعقد صفقة التعاون مع قوات (وحدات الحماية الشعبية العائدة لحزب الإتحاد الديمقراطي/جناح حزب العمال الكردستاني / تركيا ) في الحرب ضد "داعش" على الأرض، وتحرير كوباني/عين العرب في ظرف كان النظام في دمشق قد تخلى عن دعمه لهذه القوات التي كانت سيطرت على المناطق الكردية بالتوافق مع النظام أصلاً.! وبالتالي مع تعاظم الدور الأمريكي العسكري في شرق الفرات، سمحت لروسيا بالتدخل العسكري في عام 2015، وفي عام 2017 قيام تركيا بالعمل العسكري في مناطق ما سمي بدرع الفرات، وبعد ذلك غصن الزيتون إلى جانب القيام بعمل دبلوماسي من خلال المباشرة بعقد مؤتمرات ما سمي (أستانا) موازية للقاءات جنيف والغاية منها كان توزيع مناطق النفوذ لدولٍ قادرة لأن تلعب دوراً في إدارة الصراع والتعاون في إدارة الدفة نحو إنقاذ المنطقة من شرور طهران، وليس تشكيل مناطق خفض التصعيد كما يُشاع.
كل ذلك بموافقة أمريكية، والهدف منه دفع الصراع نحو محطة تطفو فيها خلافات الدول الإقليمية على السطح وتحشيد القوى ضد الوجود الإيراني في سوريا، وكذلك تقليص نفوذ إيران في المنطقة ثم اخضاعها عبر العقوبات الاقتصادية وتشديد الخناق على مواردها بعيداً عن المواجهة العسكرية.
كل الحشود الأمريكية في المنطقة والخليج لتحقيق الهدف المعلن لأمريكا:
وهو إخلاء سوريا من الوجود العسكري الإيراني، بالإضافة إلى أذرعها كحزب الله والميليشيات الشيعية.
وكذلك الضغط على النظام الإيراني لعقد صفقة اتفاق جديدة ومنعها من صناعة السلاح النووي.
والكف عن تدخلاتها المشبوهة والمدمرة في شؤون دول المنطقة، مما يعني أن نظام الملالي في طهران سيسقط، والنظام في دمشق سيتغير بمستوى السقوط، بتوافق روسي تركي عندما تقتنع أمريكا بأن الوقت قد حان!
أحمد قاسم
رئيس القسم الكردي