الساروت: سيرة ثورة جريحة


عبد الباسط الساروت الشاب الأكثر تصويراً وتجسيداً للثورة السورية، فهو من مواليد 1992م حارس مرمى نادي الكرامة في حمص، وهو حارس الكرامة بالمعنى المعنوي في الثورة، وهو لاعب منتخب سوريا للشباب، انتقل من الملاعب إلى ساحات الصراع الدولية بكل تعقيداتها وبكل خذلانها، غنَّى الساروت الوطني البسيط المحافظ دينياً مع فدوى سليمان العلوية المنشأ و العلمانية توجهاً، غنّيا معاً وهتفا للحرية، ليس لديه خلفية حزبية ولا معرفة سياسية ولكن لديه النخوة والرجولة والشهامة وحب الوطن، فهم بفهمه العميق الداخلي ككل السوريين أن نداء الحرية خطير أمام جلاوذة القتل والاجرام فهتف بالجنة وللشهيد، فكان يرى الموت دوماً ماثلاً أمامه،  عاش الثورة بسلميتها ثم المواجهة العسكرية العنيفة .

لم ينزح لم يهاجر لم يدخل في السفسطة اكتفى بحنجرته ثم ببندقيته كما حال كل السوريين، مات اخوته الأربعة  وفقد حبيبته التي تحدث عنها يوماً في جلسة عفوية، وكان يحبها ويسعى لخطبتها، خرج لتركيا بعد معارك حمص وترحيل أهلها، ولم يهنأ له البقاء وعاد بعد أسبوعيين  وأسس كتيبة شهداء البياضة، وكانت عيناه ترنو إلى حمص، كان دومًا يبحث عن قوى عسكرية يلتحق بها، وكان آخرها جيش العزة الذي أثبت صموداً اسطورياً أمام الآلة العسكرية للاحتلال الروسي والإيراني ، الساروت الحمصي غنى لحماة، وقاتل في حمص وحماه و إدلب وحلب، و أصيب مرات، وفقد جزءً من أحشائه، لكن بقي ثائراً عنيداً لا يعرف سوى المقاومة .

الساروت ثائراً سورياً بكل ما تعنيه هذه الكلمة، فقد إخوته الأربعة وتهجر وقدم كل شيء في سبيل هدفه وقضيته. أحبه السوريون وحزنوا عليه بكل انتماءاتهم العرقية والدينية والفكرية 

اختصر الساروت إصراره عندما قال (العالم بدّو نبقى عبيد عنده نحنا منّا عبيد إلا لرب العالمين)، وعبر بصوته المبحوح وبحزنه العميق يتضح خلال حروفه (ياوطنا وياغالي..)، استشهد الساروت بعمر السابعة والعشرين ربيعاً، لكن بشهادته أحيا آمال الثورة وجدد بموته الذكريات الأولى للثورة، فهو من أوائل من ثار، واستشهد أمام ثلاث قوى عسكرية منظمة تقاتل وثاني أقوى دولة في العالم، رغم كل محاولات خلط الأوراق وصبغها بالطائفة تارة والراديكالية تارة، لكن هؤلاء الشبان وعلى رأسهم الساروت أثبت أن هذه ثورة سورية للتحرر من الاستبداد والاجرام والمحتلين.

الساروت الشاب الأسمر ذو الشهامة والمروءة والعزيمة بشجاعته وحنجرته الشجية والرومانسي المناضل، يلهب الكثير من مشاعر أقرانه والثورة السورية مليئة بالساروت، وهو يجسد صورة الثورة الحقيقية من أجل كل السوريين بلا تفريق، الثورة المغدورة المتروكة يتيمة تقاوم في ساحات الصراع الدولية وتصفية الحسابات الدولية، سكبت الدم الكثير وتعثرت كثيراً لكنها ثورة لن تموت وفيها الساروت وسيولد فيها الكثير من أمثال الساروت يعيد لها سيرتها الأولى رحل الساروت وترك أمانة وترك معه بصوته الشجي ياوطنّا وياغالي.. 

الثورة بكل منعطفاتها وبكل آلامها وكل ما طرأ عليها، هي صورة مجسدة في الساروت. 

رحم الله عبد الباسط الساروت وألهم أمه العظيمة الصبر والسلوان ورحم كل شهداء سوريا الذين قدموا دماءهم وصولًا إلى الخلاص من الاستبداد ومن الاحتلال. 

رحل الساروت بجسده لكن الساروت لن يموت، كما أن الثورة السورية لم ولن تموت حتى تحقق النصر والظفر بإذن الله.

 

د. زكريا ملاحفجي

 كاتب وباحث سوري

 

 

 
Whatsapp