الساروت حياً لسه الأغاني ممكنة


من قال إن الساروت مات؟؟ الأغاني لا تموت، وبعيداً عن فجائعية هذا الخبر على المؤمنين بعدالة قضية السوريين وثورتهم وبآن واحد خذلانهم ومظلوميتهم، واقتداء بكل قصص الثورة في التاريخ فإن ما فعله الساروت وأمثاله هو سجل خالد يجب أن يورث لأجيال لا أن ندفنه بالدموع.

منذ الفجر وأنا أفكر ماذا أفعل، ماذا يمكن أن يفعل عاجز مثلي ليس لديه سوى كلمات الرثاء والدموع، قرأت ما كتبه الجميع، وصبرت لأول مرة على الكتابة، وعلى قسوة المشهد دون صوت عبد الباسط، ومن دون أغنياته الجديدة، ومن دون أن يمر حلمه ذات يوم إلى قلبه المدفون في حي البياضة بمدينته حمص.

يمرّ شريط الشهداء القديسين وهم كثر، والذين لا نعرفهم كمثل عبد الباسط، أولئك المجهولين الذين لم نسمع بهم، ولم تكتب عنهم البوستات وتسجل لهم التقارير، ماتوا بصمت الكبار، ومرت صور كثيرة للمغيبين والمعتقلين والمعذبين، والمهجرين والمهددين اليوم تحت الزيتون وفي كل الأرض الشقيقة والغريبة.

استمعت إلى تقارير عن عبد الباسط، شاهدت أفلاماً تسجيلية عن رحلة العودة الفاشلة إلى حمص مع رفاقه، ودغدغت روحي لهجته البدوية الصارمة البسيطة، ومر في خاطري كل البسطاء الذين يشبهون عبد الباسط ولم يكن لهم حظ الظهور مثله، وهؤلاء كانوا هناك في الجنوب وفي جديدة الفضل وخان الشيح وجنوب دمشق وحمص وريف دمشق والأرياف الثائرة في حماة وحلب ودير الزور، مر كل هؤلاء ببساطتهم وقاماتهم.

خطر لي أن أكتب حد السخط الكبير، وقلت في نفسي أيموت عبد الباسط ويبقى حياً وبيننا كل هذا القيح ممن يدّعون الثورة، وسوف يفعلونها، ويتصدرون مشهد النواح والرثاء، سيقفز هؤلاء اليوم إلى الشاشات ويعرضون صورهم مع الشهيد، ويدّعون علاقتهم الوطيدة به، وأن لهم مثله ماضٍ من البطولة، وستتصدر عبارات (شهيداً جميلاً) (مات الساروت) العالم الأزرق الافتراضي، ومن ثم ستذوي رويداً رويداً حماستهم إلى النسيان.

هو يشبه الجميع في موته وحياته، ويكفيه أنه لم يتورط مع لابسي البدلات الرسمية ونياشين الثورة في مالهم وولاءاتهم، ومثل النخلة الطريدة التي أحبت أن تموت واقفة في أرضها، وأن تحاول ما استطاعت غرس جذورها في جوار البيت البسيط في البياضة.

حاول الساروت أن يصل إلى أقرب مكان لمسقط رأسه بعيداً عن البحار الغريبة في المنافي. وهو مثلنا بشر يصيب ويتعثر، يندم ويصيح، لكننا نهمس فقط ونثرثر، ونناضل في الصفوف الخلفية هذه إمكانياتنا وشجاعتنا، ولأن صوته أعلى كان أقرب إلى الوطن، وأكثر حنيناً، وشجاعة.

سنترك خلفنا بالتأكيد مواقفنا وهي أضعف الإيمان في العمل، وسيترك الساروت خلفه كل هذه الحياة التي يرددها الصغار والكبار، وكل هذا النشيج من الحنين، وكل النشيد الآسر من القوة وواقعية المقاتل.

الساروت حياً، أيتها البلاد التي تنجب المغنين وتحفظ الأغنيات...

ولسه الأغاني ممكنة.

 
Whatsapp