الساروت لم يمت نحن هم الأحياء الموتى


رحيل الساروت شهيدًا أحدث في حاضنة الثورة السورية زلزالاً عميقاً، استشهاده كشف هشاشتنا العميقة وضعفنا، فامتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بالحزن والبكاء والافتخار والقهر والخوف، استشهاده جعلنا نرى " وكنا نرى من قبل” تمزقنا وتشتتنا، وكرد فعل على استشهاده طالب بعضنا أن نختار قائداً عسكرياً، أو قائداً سياسياً، ولم يفكر هذا البعض أن لذلك شروطاً موضوعية وذاتية تخصّ صيرورة الثورة، وبعضنا حمّل وزر التمزق والتشتت لمؤسسات المعارضة متناسين أنها أتت بشروط لم تقررها الثورة ولم تستطع الثورة فرض بديل سياسي يمثلها بعيداً عن هذه المؤسسات.

لذلك ارتفعت وتيرة رد فعلنا وملأنا الدنيا صراخاً على قدر مساحة الحزن الذي كشف لنا أننا نهرب من تخاذلنا الحقيقي، ونهرب من استحقاقاتنا الوطنية، ونغمض أعيننا على تناقضاتنا وجهلنا السياسي، التي تحكمت بالثورة، فأضعفتها وأنهكتها، فما زال هناك من يتصيّد الآخرين المختلفين عنه عَلمانياً أو دينياً أو طائفياً بحجة الحزن على الشهداء، لم نفكر بحق كيف نرسخ وحدتنا السياسية في مواجهة الاحتلالات والاستبداد، لا يزال الوقت بيننا يلد كل يوم تياراً من عددٍ من الطامحين والمتوهمين، ممن يريدون أن نخاطبهم بصفتهم المفترضة كقادة جماعات أو تيارات أو أحزاب حتى قارب عدد هذه التيارات والأحزاب والجماعة الرقم مئة، لم يلتم الديمقراطيون العَلمانيون على أنفسهم ويشكلوا تياراً واحداً وكذلك لم يفعل الديمقراطيون الليبراليون ذات الأمر ولا حتى التيارات الاسلامية فعلت ذلك، والسبب واضح فكل واحد من قادة هذه التيارات لا يريد أن يكون عضواً قيادياً فحسب بل قائداً.

ما هو السر إذاً في تمزقنا وشتاتنا؟ إنها حقيقة وعينا التي لم ترق إلى تغليب العقل والنقد والإقرار بالعجز، إنه وعينا البطولي المبني على أساطير عنترة والأسلاف الماجدين، لم نفكر أن نصنع وحدتنا كما فعل ذلك نبي الأمة محمد ذات يوم وفق شروط زمنه، ولا نفكر كيف نجد القواسم المشتركة بيننا كشعب يريد الحرية.

صدمنا استشهاد البطل عبد الباسط الساروت وكشف أنا عاجزون ومربكون وخائفون ومتهمون ومخونون بسبب أوبلا سبب.

تقبل الله الشهيد عبد الباسط الساروت لأنه كشف الستار عن هزالنا الجمعي، تقبله الله شهيداً شاهداً على عجزنا وتشتتنا ونرجسيتنا الفارغة.

تقبلك الله أيها الشهيد الساروت وكل رفاقك الشهداء في عليائه، أما نحن فلنا العنتريات والعواطف الجياشة التي سرعان ما ستبتلعها الحياة في انتظار شهيد جميل آخر لابد قادم.

 

 

 أسامة آغي

صحفي وكاتب سوري

 

 
Whatsapp